الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
أطرق كرا، وهو صدر بيت وهو: أطرق كرا أطرق كر *** إن النعام في القرى على أن الكرا ذكر الكروان وليس مرخماً منه. وهذا بيت من الرجز؛ وهو مثل. وقد اختلف في قدره، وفي معنى الكرا والكروان، وفي معنى البيت: أما الأول فقد أورده ابن الأنباري، وابن ولاد، وأبو علي القالي، والجوهري في الصحاح ، والصاغاني في العباب ؛ كما ذكرنا؛ وأورده المبرد في الكامل ، والزمخشري في مستقصى الأمثال ، والشارح أيضاً في آخر بحث الترخيم هكذ: أطرق كرا إن النعام في القرى بناء على انه نثر لا نظم، وصوابه أطرق كرا مرتين، كما نبه عليه ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل. وزاد الشارح هناك، ما إن أرى هنا كرا ولم أر هذه الزيادة لغيره. وأما الثاني: فالمشهور أن الكروان طائر طويل العنق والرجلين، أغبر، له صوت حسن، وهو أكبر من الحمامة. وقال أبو حاتم في كتاب الطير: الكروان القبج أي: الحجل. وقيل: هو الحبارى. وقال الزمخشري: هو ذكر الحبارى. وقيل: هو الكركي. والكرا يكتب بالألف. قال المبرد: وهو مرخم الكروان وتبعه من جاء بعده. قال القالي: الكرا: الكروان. وهو عند أهل النظر والتحقيق من أهل العربية ترخيم كروان. وإنما أ راد الراجز: أطرق يا كروان، فرخم. وما قاله الشارح من أن الكرا ذكر الكروان ذكره صاحب القاموس أيضاً؛ ونسبه ابن عقيل في شرح التسهيل إلى المبرد. والظاهر من كلام ابن الأنباري وابن ولاد الترادف؛ فإنهما قالا: الكرا: الكروان. لا أنه مرخم منه. وكذلك قال الأعلم في شرح ديوان طرفة: إن الكروان طائر يقال له الكرا أيضاً، ومنه المثل أطرق كرا.. الخ. وكذلك قال في أمثاله أبو فيد مؤرج بن عمرو السدوسي: إن كرا اسم، وكروان اسم، فإنهم قالوا: هو مثل مضبر وضبارم، وعيطاء وعيطموس، وأهوج وهيجموس. وهو أشبه الأمرين، لأنهم جمعوه فقالوا: كراً وكروان مثل فتى وفتيان، قال طرفة: لنا يومٌ وللكروان يومٌ *** تطير البائسات ولا نطير فجعله جماعة الكرا، ألا ترى أنه قال: البائسات؟ وكذلك تنشده العرب ولم ترهم رخموا ثم جمعوا على الترخيم. وجمعوه على الكروان بالكسر ولم يقولوا: الكراوين والكروانات انتهى. وعلى هذا يسقط منه شذوذان: الترخيم، وتغييره ويبقى شذوذ واحد، وهو حذف حرف النداء مع اسم الجنس. ويدل على الترادف وعلى أنه ذكره ورود الكرا في غير النداء. أنشد ابن ولاد والزمخشري للفرزدق قوله: أألآن لما عض نابي بمسحلي *** وأطرق إطراق الكرا من أحاربه وقال آخر: إذا رآني كل بكري بكى *** أطرق في البيت كإطراق الكرا وأما معناه فقد قال ابن الأنباري والقالي: معنى البيت: أغض فإن الأعزاء في القرى، والكروان طائر ذليل يقول: ما دام عزيزٌ موجوداً، فإياك أيها الذليل أن تنطق. ضربه مثلاً. وقال الشارح المحقق في آخر بحث النداء: هو رقية يصيدون بها الكرا فيسكن ويطرق حتى يصاد . وهو في هذا تابع للزمخشري فإنه قال: يقال للكروان ذلك إذا أريد اصطياده. أي: تطأطأ واخفض عنقك للصيد، فإن أكبر منك وأطول أعناقاً، وهي النعام، قد صيدت وحملت من الدو إلى القرى. يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أشرف منه. ومثله لصاحب القاموس، فإنه قال: وأطرق كرا، يضرب لمن يخدع بكلام يلطف له ويراد به الغائلة . وقال ابن الحاجب في الإيضاح: واطرق كرا مثلٌ لمن يتكلم وبحضرته أولى منه بذلك: كأن أصله خطابٌ للكروان بالإطراق لوجود النعام؛ ولذلك يقال إن تمامه: .... أطرق كر *** إن النعام في القرى ويقال: إن الكروان يخاف من النعام. ومثله في العباب للصاغاني فإنه قال: وأطرق: أرخى عينه ينظر إلى الأرض؛ وفي المثل: أطرق كرا.. البيت. يضرب للمعجب بنفسه، وللذي ليس عنده غناء ويتكلم، فيقال: اسكت وتوق انتشار ما تلفظ به؛ كراهية ما يتعقبه. وقولهم: إن النعام في القرى ، أي: تأتيك فتدوسك بمناسمها. ويقال أيضاً: أطرق كرا يجلب لك يضرب للأحمق في تمنيه الباطل فيصدق. وقال الأعلم الشنتمري في شرح الأشعار الستة: يضرب لرجل يظن أنك محتاج إليه؛ فتقول له: اسكن فقد أمكنني من هو أنبل منك وأرفع. والنعام إنما يكون في القفار، فإذا كان بالقرى فقد أمكن. انتهى. تتمة: كروان يجمع على كراوين كورشان يجمع على وراشين، وقالوا يجمع أيضاً على غير قياس على كروان بكسر الكاف وسكون الراء كما يجمع ورشان على ورشان؛ وهو جمع بحذف الزوائد. كأنهم جمعوا كراً مثل أخٍ وإخوان. قال ابن جني في الخصائص: وذلك أنك لما حذفت ألفه ونونه بقي معك كرو، فقلبت واوه ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها طرفاً، فصارت كرا، ثم كسرت كرا على كروان كشبث وشبثان، وخرب وخربان. وعليه قولهم في المثل: أطرق كرا، إنما هو عندنا ترخيم كروان على قولهم يا حار، بالضم. قالوا: والألف في كروان إنما هي بدل من الألف المبدلة من واو كروان. انتهى. وزعم الرياشي أن الكروان والكروان للواحد، وكذلك ورشان وورشان. ويرده قول ذي الرمة: من ال أبي موسى ترى الناس حوله *** كأنهم الكروان أبصرن بازيا وأنشد بعده: وهو الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة وهو من شواهد س: فقالوا تعال يا يزي بن مخرم *** فقلت لهم: إني حليف صداء على أن المرخم يجوز وصفه إلا عند الفراء وابن السراج، أراد الشاعر: يا يزيد ابن مخرم. وعند سيبويه حذفت الدال للترخيم. والياء لالتقاء الساكنين. وقال الفراء: كلاهما حذف للترخيم. فإن مذهبه حذف الساكن مع الآخر في الترخيم، فيقول: فيمن اسمه قمطر ياقم، كذا في الإيضاح لابن الحاجب. قال الشاطبي في شرح الألفية: شرط المؤنث بالتاء المرخم أن لايكون موصوفاً؛ لأن الترخيم حذف آخر الاسم للعلم به، والصفة بيان الموصوف لعدم العلم به، فهما متدافعان. ولذلك قال سيبويه في قوله: إنك يا معاو، يا ابن الأفضل إنه ترخيم بعد ترخيم. وقد نص على هذا الروماني، وتبعه ابن خروف، وقال في البيت: لا يصلح فيه النعت، لأنه منادى مرخم، فهو في نهاية التعريف، فنعته بعيد. فعلى هذا يكون قول يزيد بن مخرم - وأنشد سيبويه -: فقلتم تعال يا يزي بن مخرم.. البيت شاذاً. ويجري مجرى النعت على هذا التقدير التوابع كلها: من العطف البياني والتوكيد، إلا البدل ففيه بحث، وإلا العطف النسقي فإن كل واحد منهما، أعني من المعطوف والمعطوف عليه، مستقل بالعامل من جهة المعنى. وفيه نظر أيضاً. انتهى ثم قال: وهذا الشرط منازعٌ فيه. وأجاب الشلوبين بأنه قد يتوجه العلم المشترط في الترخيم على الاسم، وعدم العلم على المسمى، فلا يتدافعان. وأما بيت سيبويه فلعله إغرابٌ من سيبويه، إذ كان الوجه الآخر لا غرابة فيه؛ ولعله اختيار منه لذلك الوجه؛ لأنه موضع مدح، فتكرير النداء فيه أفخم من الإتيان به وصفاً. هذا ما قال؛ ويقويه أن سيبويه أنشد: فقلتم تعال يا يزي بن مخرم على أنه ليس من الشاذ، بل على أنه من الجائز بإطلاق، وهو مع ترخيم الهاء أجود، ومثله قول امرئ القيس: أحار بن عمرٍو كأني خمر وهذا الشاهد دال على جواز ترخيم الموصوف من باب الأولى، لأنه من الموصوف بابن؛ وتقرر في الكلام صيرورة ابن مع الموصوف في حكم المركب، بدليل حذف التنوين. فإن كان هذا يجوز ترخيمه، فمن باب أولى جواز ترخيم نحو: يا طلحة الفاضل، ويا حارث الفاضل؛ فتقول: يا طلح الفاضل ويا حار الفاضل. وكذلك المعطوف والمؤكد والمبدل منه. انتهى. ومخرم بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة. ويزيد بن المخرم من أشراف بني الحارث من أهل اليمن. والمخرم هو ابن شريح بن المخرم بن حزن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث. وكان يزيد بن المخرم ممن جاء مع عبد يغوث الحارثي في يوم الكلاب الثاني وقد مضى شرحه في الشاهد الخامس والستين ، وقتل يزيد بن المخرم في ذلك اليوم مع يزيد بن عبد المدان ويزيد بن الهوبر. وأسر عبد يغوث كما تقدم شرحه . ولما وقعت الهزيمة عليهم، جعل رجلٌ من بني تميم يقول: يا قوم لا يفلتكم اليزيدان *** يزيد حزنٍ ويزيد الديان ويروى: مخرماً أعني به والديان وصداء بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وبالمد: حيٌ من اليمن، منهم زياد ابن الحارث الصدائي الصحابي رضي الله عنه. والحلبف: المحالف والمعاهد. وروي البيت هكذا: فقلتم تعال يا يزي بن مخرم *** فقلت لكم: إني حليف صداء وهو من أبيات ليزيد بن المخرم المذكور آنفاً. وأنشد بعده: كليني لهم يا أميمة ناصب وتقدم شرحه قبل هذا بثمانية شواهد. وأنشد بعده: وهو الشاهد السادس والأربعون بعد المائة عجبت لمولود وليس له أبٌ *** وذي ولدٍ لم يلده أبوان على أن سيبويه استشهد به في ترخيم أسحار في أنك تحركه بأقرب الحركات إليه، وكذا تقول: انطلق إليه، في الأمر: تسكن اللام فتبقى ساكنة والقاف ساكنة، فتحرك القاف بأقرب الحركات إليها وهي حركة الطاء. قال أبو جعفر النحاس: فإن قيل: فقد جئت بحركة موضع حركة، فما الفائدة في ذلك؟ فالجواب: أن الحركة المحذوفة كسرة انتهى. أي: فالفتحة أخف منها. فأصل يلده بكسر اللام وسكون الدال للجزم، فسكن المكسور تخفيفاً، فحركت الدال دفعاً لالتقاء الساكنين بحركة، وهي أقرب الحركات إليها، وهي الفتحة؛ لأن الساكن غير حاجز حصين. قال المبرد في الكامل: كل مكسور ومضموم، إذا لم يكن من حركات الإعراب، يجوز فيه التسكين. وأنشد هذا البيت وقال: لا يجوز ذلك في المفتوح لخفة الفتحة. انتهى. ووقع هذا البيت في رواية سيبويه: ألا رب مولودٍ وليس له أب وكذا أورده ابن هشام في مغني اللبيب شاهداً على أن رب تأتي بقلة لإنشاء التقليل، كهذا البيت، وفي الأكثر أنها لإنشاء التكثير. وكذا أورده غيره. ولا تلتفت إلى قول ابن هشام اللخمي مع رواية سيبويه: الصواب عجبت لمولود . لأن الروايتان صحيحتان ثابتتان. ونسبه شراح أبيات سيبويه لرجل من أزد السراة. وبعده: وذي شامةٍ سوداء في حر وجهه *** مخلدةٍ لا تنقضي لأوان ويكمل في خمسٍ وتسعٍ شبابه *** ويهرم في سبعٍ معاً وثمان وعلى هذه الرواية لا وصف لمجرور رب، لأنه لا يلزم وصفه عند سيبويه ومن تبعه. فجملة وليس له أب حال من مولود؛ والعامل محذوف، وهو جواب رب، تقديره: يوجد ونحوه. والتزم المبرد وتابعوه وصف مجرورها؛ فتكون الجملة صفة له، والواو هي الواو التي سماها الزمخشري واو اللصوق، أي: لصوق الصفة بالموصوف، وجعل من ذلك قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم}. وذي ولد معطوف على مولود . وأراد بالأول عيسى ابن مريم، وبالثاني آدم أبا البشر عليهما السلام، قال أبو علي الفارسي: إن عمراً الجنبي سأل امرأ القيس عن مراد الشاعر، فأجابه بهذا الجواب - وجنب بفتح الجيم وسكون النون: قبيلة في اليمن؛ وعمرو هذا منسوب إليها - وقيل: أراد بذي الولد البيضة، وقيل: أراد به القوس وولدها السهم لم يلده أبوان، لأنه لا تتخذ القوس إلا من شجرة واحدة مخصوصة. وهذان القولان من الخرافات؛ فإن البيضة متولدة من أنثى وذكر، والقوس لا تتصف بالولادة حقيقة؛ وإن أراد بها التولد وهو حصول شيء من شيء فليست مما ينسب إليه الوالدان. وأراد بذي شامة: القمر، فإنه ذو شامة. وهي المسحة التي فيه، يقال: إنها من أثر جناح جبريل عليه السلام لما مسحه؛ والشامة: علامة مخالفة لسائر البدن؛ والخال هي النكتة السوداء فيه. وأراد بكمال شبابه في خمس وتسع، صيرورته بدراً في الليلة الرابعة عشرة، لأنه حينئذ في غاية البهاء والضياء، كما أن الشاب في غاية قوته محسن منظره في عنفوان شبابه. وأراد بهرمه ذهاب نوره ونقصان ذاته في الليلة التاسعة والعشرين، فإن السبعة والثمانية، وهي خمسة عشر، إذا انضمت مع الخمسة والتسعة، المتقدمة، وهي أربعة عشر، صارت تسعة وعشرين. وهذا الضم استفيد من قوله: معاً. وروي: مضت بدل معاً. وروى بعضهم: وذي شامة غراء أي: بيضاء؛ وهذا غير مناسب. وحر الشيء: خالصه؛ وحر الوجه: ما بدا من الوجنة، وما أقبل عليك منه، وأعتق موضع فيه. ومخلدة بالخاء المعجمة والدال، أي: باقية؛ وهو بالجر صفة لشامة، وبالنصب حال منها للمسوغ. وروى بعضهم: مجللة اسم فاعل من التجليل، بجيم ولامين وهو التغطية. وهذا أيضاً غير مناسب. وفسرها بعضهم بذات العز والجلال. وروى أيض: مجلحة بتقديم الجيم على الحاء المهملة؛ وفسره بمنكسفة وهذا كله من ضيق العطن: لا الرواية لها أصل، ولا هذا التفسير ثابت في اللغة. واللام في قوله: لأوان، بمعنى في، كقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}، وقولهم: مضى لسبيله؛ وبمعنى عند، كقولهم: كتبته لخمسٍ خلون؛ وبمعنى، بعد كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. قال البيضاوي، في قوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو} لا يظهر أمرها في وقتها. والمعنى: أن الخفاء بها استمر على غيره إلى وقت وقوعها. واللام للتأقيت كاللام في قوله تعالى: {لدلوك الشمس}. وقال العيني: هي للوقت. ولا يقال: هذا إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن المعنى لوقتٍ وقت، لأن التغاير في اللفظ كافٍ في دفع ذلك . انتهى. فتأمل. وروي: لا تنجلي لزمان . وذكر العدد في الجميع، لأنه باعتبار الليالي. وجملة يكمل، من الفعل وضميره المستتر، معطوف على جملة لا تنقضي. ولا يضر تخالفهما نفياً وإثباتاً. وأزد السراة: حي من اليمن. والأزد اسمه درءٌ، بكسر الدال وسكون الراء المهملتين وبالهمز. والأسد لغة في الأزد؛ بل قيل: السين أفصح من الزاي. والأزد: ابن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان. والغوث بفتح العين المعجمة وبالثاء المثلثة ونبت: بفتح النون وسكون الموحدة وبالتاء المثناة. وأدد: بضم الهمزة وفتح الدال الأولى. وسبأ: بفتح السين المهملة وفتح الموحدة وبالهمز. ويشجب: بفتح المثناة التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الجيم وبالباء الموحدة. ويعرب بفتح المثناة التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الجيم وبالباء الموحدة. ويعرب بفتح المثناة التحتية وسكون العين المهملة وضم الراء المهملة وبالباء الموحدة. كذا في جامع الأصول لابن الأثير، وغيره من كتب الأنساب. والسراة بفتح السين المهملة هو أعظم جبال العرب. روى أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم بسنده إلى سعيد بن المسيب: أنه قال: لما خلق الله عز وجل الأرض، مادت بأهلها؛ فضربها بهذا الجبل يعني السراة فاطمأنت. قال أبو عبيد: وطول السراة: ما بين ذات عرق إلى حد نجران اليمن. وبيت المقدس في غربي طولها. وعرضها ما بين البحر إلى الشرق. فصار ما خلف هذا الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعك وكنانة إلى ذات عرق والجحفة، وما والاها وصاقبها وغار من أرضها الغور: غور تهامة وتهامة تجمع ذلك كله. وغور الشام لا يدخل في ذلك. وصار ما دون ذلك في شرقيه من الصحارى إلى أطراف العراق والسماوة وما يليها نجداً؛ ونجد يجمع ذلك كله. وصار الجبل نفسه سراته وهو الحجاز. وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة ومن بلاد مذحج تثليث. وما دونها إلى ناحية فيد فذلك كله حجاز. وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما: العروض، وفيها نجد وغور، لقربها من البحر وانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها، والعروض بجمع ذلك كله. وصار ما خلف تثليث وما قاربها، إلى صنعاء وما والاها من البلاد، إلى حضرموت والشحر وعمان، وما بينهما اليمن؛ وفيهما التهائم والنجود؛ واليمن يجمع ذلك كله. وذات عرق فصلٌ ما بين تهامة ونجد والحجاز. وقيل لأهل ذات عرق: أمتهمون أنتم أم منجدون؟ قالوا: لا متهمون ولا منجدون. انتهى. كلام أبي عبيد. وقال ابن مكرم في لسان العرب: السراة جبل بناحية الطائف. قال ابن السكيت: الطود: الجبل المشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال لها: السراة فأوله سراة ثقيف، ثم سراة فهم وعدوان ثم الأزد انتهى. قال ابن عبد البر في مقدمة الاستيعاب: الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وافترقت فيما ذكر أبو عبيدة وغيره من علماء النسب على نحو سبع وعشرين قبيلة.. ثم ذكرها.. ويقال: لبعض منهم: أزد السراة، وهو من أقام منهم عند جبل السراة. ولبعض آخر: أزد عمان، بضم العين المهملة وتخفيف الميم وهو بلد على شاطئ البحر، بين البصرة وعدن، أضيفوا إليه لسكناهم فيه. ولبعض آخر: أزد غسان بفتح العين المعجمة وتشديد السين المهملة، وهو اسم ماء بين زبيد ورمع - وهما واديان للأشعريين - فمن شرب منه منهم سمي أزد غسان - وهم أربع قبائل - ومن لم يشرب منه لا يقال له ذلك، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: إما سألت فإنا معشرٌ نجبٌ *** الأزد نسبتنا، والماء غسان ومنهم من يقال له: أزد شنوءة - على وزن فعولة - وهو اسم أبيهم، سمي به لشنآن وقع بينهم. واسمه الحارث - وقيل: عبد الله بن كعب بن مالك بن نصر ابن الأزد. قال في الصحاح: أزد أبو حي من اليمن يقال أزد شنوءة وأزد عمان وأزد السراة. قال النجاشي: وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ *** ورجلٍ بها ريب من الحدثان فأما التي صحت فأزد شنوءة *** وأما التي شلت فأزد عمان ورأيت في الملحقات التي ألحقها صاحب المختصر، الذي اختصره من جمهرة الأنساب لابن الكلبي، بعد أن نقل كلام الصحاح ما نصه: لم أجد في الجمهرة. لابن دريد لذلك ذكراً؛ بل رأيت في العجالة في النسب أن شنوءة اسمه الحارث وقيل عبد الله. فقوله: إنه الحارث، أقرب إلى الصواب. فالحارث هو الذي ولد هذه البطون والقبائل، من دوس ونصر وغامد وماسخة وغيرهم. وأهل عمان الآن يقولون: إنهم شنوءة؛ وهم من دوس ثم من مالك بن فهم بن غنم بن دوس. وهذا الذي ظهر من صحة ذلك، يبطل تقسيم الشاعر في هذا البيت، وقوله: إن أزد عمان غير أزد شنوءة، وقول الجوهري: يقال أزد شنوءة وأزد عمان وأزد السراة، إن أراد بهم التقسيم على ثلاث قبائل ففاسد، وذلك: أن أزد السراة أيضاً من أزد شنوءة فيهم من يذكر؛ وهم ثمالة، تحل بلداً بالسراة اسمه قوسى؛ ودوس، منهم منهب بن دوس بالسراة. والأقرب أن يقال: إن هذا كقولهم غسان والأنصار وخزاعة؛ وكلهم غسان؛ وإنما تجدد للأنصار وخزاعة هذان الوصفان، فبقيت تسمية غسان للشاميين. وأنشد بعده وهو يا مرحباه بحمار ناجيه على أن هاء السكت الواقعة بعد الألف، يضمها بعض العرب ويفتحها في حالة الوصل، في الشعر. قال ابن جني في باب الحكم يقف بين الحكمين من الخصائص: ومن ذلك بيت الكتاب: له زجلٌ كأنه صوت حادٍ فحذف الواو من كأنه، لا على حد الوقف، ولا على حد الوصل؛ أما الوقف فيقتضي بالسكون: كأنه، وأما الوصل فيقتضي بالمطل وتمكين الواو: كأنهو فقوله إذن: كأنه، منزلة بين الوصل والوقف. وكذلك أيضاً قوله: يا مرحباه بحمار ناجيه *** إذا أتى قربته للسانيه فثبات الهاء في مرحباه ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل، أما الوقف فيؤذن بأنها ساكنة، وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلاً، فثباتها في الوصل متحركة منزلةٌ بين المنزلتين . وقوله: يا مرحباه: المنادى محذوف؛ ومرحبا مصدر منصوب بعامل محذوف، أي: صادف رحباً وسعة. حذف تنوينه لنية الوقف، ثم بعد أن وصل به هاء السكت عن له الوصل فوصل. والحمار مذكر؛ والأنثى أتان؛ وحمارة بالهاء نادر؛ وهو مضاف إلى ناجية. وناجية: بالنون والجيم: اسم شخص؛ وبنو ناجية قوم من العرب؛ وناجية: ماء لبني أسد، وموضع بالبصرة؛ والناجية: الناقة السريعة، وليست بمرادٍ هنا. والباء متعلقة بقوله مرحبا. والسانية: الدلو العظيمة وأداتها. والناقة التي يسنى عليها، أي: يستقى عليها من البئر. وفي المثل: سير السواني سفر لا ينقطع . يقال: سنت الناقة تسنو سناوة وسناية: إذا سقت الأرض؛ والسحابة تسنو الأرض والقوم يسنون لأنفسهم: إذا استقوا، والأرض مسنوة ومسنية بالواو والياء. وأراد بتقريب الحمار للسانية: أن يستقى عليه من البئر بالدلو العظيمة. وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والأربعون بعد المائة وهو من شواهد س: في لجةٍ أمسك فلاناً عن فل على أن فلا مما يختص بالنداء، وقد استعمله الشاعر في الضرورة غير منادى. قال صاحب اللباب: ووزنه فعل تقديراً، والذاهب منه الواو، فيكون أصله فلو كفسق فذهبت الواو تخفيفاً. وذلك لأن الاسم المتمكن لا يكون على حرفين، فلا بد من تقدير حرف ثالث، وحرف العلة أولى لكثرة دوره، والواو أولى لأن بنات الواو أكثر. وهذا البيت من أرجوزة طويلة لأبي النجم العجلي، وصف فيها أشياء كثيرة أولها: الحمد لله العلي الأجلل *** الواسع الفضل الوهوب المجزل أعطى فلم يبخل ولم يبخل *** كوم الذرى من خول المخول تبقلت من أول التبقل *** بين رماحي مالكٍ ونهشل يدفع عنها العز جهل الجهل إلى أن قال: وقد جعلنا في وضين الأحبل *** جوز خفافٍ قلبه مثقل أخزم، لا قوقٍ ولا حزنبل *** موثق الأعلى أمين الأسفل أقب من تحت عريضٍ من علي *** معاودٍ كرة أدبر أقبل إلى أن قال: وصدرت بعد أصيل الموصل *** تمشي من الردة مشي الحفل مشي الروايا بالمزاد الأثقل إلى أن قال: تثير أيديها عجاج القسطل *** إذ عصبت بالعطن المغربل تدافع الشيب ولم تقتل *** في لجةٍ أمسك فلاناً عن فل ومنها في صفة الراعي: تفلي له الريح ولما يفتل *** لمة قفرٍ كشعاع السنبل يأتي لها من أيمنٍ وأشمل *** وبدلت والدهر ذو تبدل هيفاً دبوراً، بالصبا والشمأل وهي طويلة جداً. قال الأصبهاني في الأغاني: ورد أبو النجم على هشام بن عبد الملك في الشعراء؛ فقال لهم هشام: صفوا لي إبلاً فقطروها وأوردوها وأصدروها، حتى كأني أنظر إليها. فأنشدوه.. وأنشد أبو النجم هذه الأرجوزة بديهة. وكان أسرع الناس بديهة. قال الأصمعي: أخبرني عمي قال أخبرني ابن بنت أبي النجم قال: قال جدي أبو النجم: نظمت هذه الأرجوزة في قدر ما يمشي الإنسان من مسجد الأشياخ إلى مسجد حاتم الجزار ومقدار ما بينهما غلوة سهم أي مقدار رمية . وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: أنشد أبو النجم هذه الأرجوزة هشام بن عبد الملك - وهي أجود أرجوزة للعرب - وهشام يصفق بيديه استحساناً لها؛ حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس: حتى إذا الشمس جلاها المجتلي *** بين سماطي شفقٍ مرعبل صغواء، قد كادت ولما تفعل *** فهي على الأفق كعين الأحول أمر بوجء رقبته وإخراجه. وكان هشام أحول . وقوله: الحمد لله العلي الأجلل ، أورده علماء البلاغة على أن الأجلل، بفك الإدغام، مما يخل بالفصاحة؛ والفصيح الأجل، وهو القياس. وأورده ابن هشام أيضاً في آخر الأوضح على أن فك الإدغام فيه للضرورة، مع أن الإدغام واجب في مثله. ورواه سيبويه: الحمد لله الوهوب المجزل ، وأنشده على أن حذف الياء المتصلة بحرف الروي جائز على ضعف؛ تشبيهاً لها في الحذف بياء الوصل الزائدة للترنم، كما في قوله المجزل ونحوه.. وكأن هذه الرواية مركبة من بيتين. والمجزل: من أجزل له في العطاء: إذا أوسعه. والبخل عند العرب: منع السائل مما يفضل عنده، وفعله من باب تعب وقرب. وبخله بالتشديد: إذا نسبه إلى البخل، وأما أبخله بالهمز فمعناه وجده بخيلاً. وكوم الذرى: مفعول أعطى، وهو جمع كوماء بالفتح والمد، وهي الناقة العظيمة السنام. وذرى الشيء بالضم أعاليه، جمع ذروة بالكسر والضم أيضاً، وهي أعلى السنام أيضاً. والخول بفتحتين: العطية. والمخول، اسم فاعل: المعطي. في العباب: الخول: العطية، وقوله تعالى: {وتركتم ما خولناكم} أي: أعطيناكم وملكناكم. وأنشد هذا البيت. وقوله: تبقلت.. الخ ، البقل: كل نبات اخضرت له الأرض. وتبقلت الناقة مثلاً وابتقلت: رعت البقل. ومالك، هو ابن ضبيعة بن قيس من هوزان. ونهشل، هو أبو دارم قبيلة من ربيعة. قال الأصفهاني في الأغاني: وكان سبب ذكر هاتين القبيلتين أعني بني مالك ونهشل: أن دماء كانت بين بني دارم وبني نهشل، وحروباً في بلادهم، فتجافى جميعهم الرعي فيما بين فلج والصمان، مخافة الشر، حتى عفا كلؤه وطال. فذكر: أن بني عجل جاءت لعزها إلى ذلك الموضع فرعته، ولم تخف رماح هذين الحيين. ففخر به أبو النجم . وفلج ، بفتح الفاء وسكون اللام وآخره جيم. والصمان ، بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم، قال البكري في معجم ما استعجم: فلج: موضع في بلاد مازن، وهو في طريق البصرة إلى مكة، وفيه منازل للحجاج. وقال الزجاج: فلج بين الرحيل إلى المجازة، وهو ماءٌ لهم. وقال أبو عبيدة: لما قتل عمران بن خنيس السعدي، رجلين من بني نهشل بن دارم، اتهاماً بأخيه المقتول في بغاء إبله، نشأت بين بني سعد بن مالك وبين بني نهشل حربٌ تحامى الناس من أجلها ما بين فلج والصمان، وهو على وزن فعلان: جبل يخرج من البصرة على طريق المنكدر، لمن أراد مكة. وقال ابن الأعرابي في نوادره: كان رجل من عنزة دعا رؤبة بن العجاج فأطعمه وسقاه؛ فأنشد فخره على ربيعة؛ فساء ذلك العنزي فقال لغلامه سراً: اركب فرسي وجئني بأبي النجم. فجاء به وعليه جبة خز وبت، في غير سراويل. فدخل واكل وشرب. ثم قال العنزي: أنشدنا يا أبا النجم - ورؤبة لا يعرفه - فانتحى في قوله: الحمد لله الوهوب المجزل ينشدها؛ حتى بلغ: تبقلت من أول التبقل *** بين رماحي مالكٍ ونهشل فقال له رؤبة: إن نهشلاً من مالك، يرحمك الله! فقال: يا ابن أخي، الكمر أشباه الكمر، إنه ليس مالك بن حنظلة، إنه مالك بن ضبيعة! فخزي رؤبة وحيي من غلبة أبي النجم له.. ثم أنشد أبو النجم فخره على تميم؛ فاغتنم رؤبة وقال لصاحب البيت: لا يحبك قلبي أبداً! واستشهد صاحب الكشاف بقوله: بين رماحي مالكٍ ونهشل عند قوله تعالى: {اثنتي عشرة أسباطاً} على جمع الأسباط، مع أن مميز ما عدا العشرة لا يكون إلا مفرداً. لأن المراد بالأسباط القبيلة؛ ولو قيل: سبطاً، لأوهم أن المجموع قبيلة واحدة؛ فوضع أسباطاً موضع قبيلة، كما وضع أبو النجم رماحاً، وهو جمع، موضع جماعتين من الرماح، وثني على تأويل: رماح هذه القبيلة ورماح هذه القبيلة. فالمراد: لكل فرد من أفراد هذه التثنية جماعة، كما أن لكل فرد من أفراد هذا الجمع، وهو أسباط، قبيلة.. وفاعل تبقلت، ضمير كوم الذرى. زعم بعض شراح شواهد التفسير: أن هذا البيت في وصف رمكة مرتاضة اعتادت ممارسة الحروب، حتى تحسب أرض الحرب روضةً تتبقل فيها. ولا يخفى أن هذا كلام من لم يقف على سياق هذا البيت ولا سباقه. مع أن هذا الزاعم أورد غالب الأرجوزة ولم يتفهم المعنى. وقوله: يدفع عنها العز.. الخ ، العز: فاعل يدفع، وهو بمعنى القوة والمنعة؛ وجهل الجهل: مفعوله، أي: سفاهة السفهاء؛ وضمير عنها راجع إلى كوم الذرى. وقوله: وقد جعلنا في وضين..الخ ، هذا في وصف بعير السانية؛ والوضين: نسعٌ عريض كالحزام يعمل من أدم، قال الجوهري: الوضين للهودج بمنزلة البطان للقتب، والتصدير للرحل، والحزام للسرج؛ وهما كالنسع إلا أنهما من السيور إذا نسج بعضه على بعض.. تقول: وضنت النسع أضنه وضناً: إذا نسجته . والأحبل: جمع حبل. والجوز ، بفتح الجيم وآخره زاي معجمة. مفعول جعلنا؛ وجوز كل شيء: وسطه. والخفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاءين، بمعنى خفيف؛ وهو منون؛ وقلبه فاعل خفاف، وهو صفة لموصوف محذوف أي: بعير خفاف. والمثقل: الثقيل، صفة ثانية. يريد: شددنا الوضين في وسط بعير خفيف القلب ذكي من ثقل بدنه وضخامته. والأحزم: خلاف الأهضم؛ وهو أن يكون موضع حزامه عظيماً؛ وهو صفة ثالثة. والقوق ، بضم القاف الأولى: الفاحش الطول؛ وهو صفة رابعة. والحزنبل، بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة وسكون النون وفتح الموحدة: القصير. وقوله: موثق الأعلى.. الخ ، بالجر صفة خامسة، وأراد بالأعلى ظهره، وبالأسفل بطنه؛ وأمين بمعنى مأمون، صفة سادسة. وقوله: أقب.. الخ مجرور بالفتحة، صفة سابعة؛ وعريض صفة ثامنة؛ والقبب: الضمر؛ يعني أن خصره ضامر - والخصر تحت المتن - وأن متنه عريض. وتحت مبني على الضم. ومن علي، يكتب بالياء؛ وليست الكسرة في اللام كسرة إعراب ألا ترى أنه معرفة وليس بنكرة. ألا ترى أن معناه وكويته فوق نواظره والنواظر منه! فهو إذن معرفة، لأنه يريد به شيئاً مخصوصاً، فهو إذن كقول أوس: فملك بالليط الذي تحت قشره *** كغرقئ بيضٍ كنه القيض من عل أي: من أعلاه، وقال الشنفرى: إذا وردت أصدرتها، ثم إنه *** تثوب فتأتي من تحيت ومن عل وإنما تعرب عل إذا كانت نكرة، كقولهم في النكرة: من فوقٍ ومن علٍ، إذا لم ترد أمراً معلوماً. فقوله: فوق النواظر من علٍ، علٍ منه كشج وعمٍ ووزنه فعل، والياء فيه لام الفعل، والكسرة في اللام قبلها ككسرة الضاد من قاض. فاعرف ذلك. وفيه عشر لغات: أتيته من علٍ ومن عل ومن علي ومن علا ومن علو ومن علو ومن علو ومن علوٍ ومن عالٍ ومن معالٍ. ومثله سواء قول العجلي: أقب من تحت عريضٍ من علي أراد من أعلاه. ألا تراه قرنه بالمعرفة المبنية وهي تحت! فعلي إذن معرفة، فهو كشج، وكسرة لامه ككسرة زاي غاز، والكلمة مبنية على الضم، وفي الياء تقدير ضمة البناء. فبيت ربيعة وبيت العجلي هذان جميعاً سواء، ولكن بيت امرئ القيس الذي هو قوله: كجلمود صخر حطه السيل من عل قال ابن جني: عل فيه نكرة؛ ألا ترى أنه لا يريد من أعلى شيء مخصوص! فالكسرة إذن في لام علٍ كسرة إعراب، ككسرة دال يدٍ وميم دم كلام ابن جني مختصراً. وقد قرر ابن هشام أيضاً في المغني: أن عل، متى أريد به المعرفة كان مبنياً على الضم تشبيهاً بالغايات كما في قوله: أرمض من تحت وأضحى من علة والهاء للسكت؛ قال: إذ المراد فوقية معينة لا فوقية مطلقة. والمعنى: أنه تصيبه الرمضاء من تحته وحر الشمس من فوقه. ومثله قول الآخر يصف فرساً: أقب من تحت عريض من عل وقد أشار بقوله: ومثله يصف فرساً إلى أن ضمة البناء في عل إما ملفوظة كما في قوله: وأضحى من عله، وإما مقدرة كما في قول أبي النجم: عريض من عل فلا يرد الاعتراض عليه بأنه أنشده بالبناء على الضم، والقوافي كلها مجرورة. لكن يبقى عليه أن البيت في وصف بعير السانية، لا في وصف فرس. فتأمل وأنصف. قوله: معاود كرة.. الخ ، معاود: اسم مفعول، وهو بالجر صفة تاسعة؛ أي: يعاد عليه مراراً قول أقبل على البئر إذا تفرعت الدلو، أدبر عنها إذا امتلأت. وكرة: بالرفع نائب فاعل معاود وهو مضاف لما بعده. وقوله: تمشى من الردة ، في الصحاح: والردة بالكسر: امتلاء الضرع من اللبن قبل النتاج، عن الأصمعي. وأنشد لأبي النجم تمشي من الردة.. البيت ويجوز أن تكون مصدر قولك رده يرده رداً وردة؛ والردة الاسم من الارتداد. وقال ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق: يصف إبلاً قد أكثرت من شرب الماء فأثقلها الري والردة تراد في أجوافها، يقال: أردت فهي مرد. إذا انتفخت من الماء، وانتفخ ضرعها من غير لبن. يقول: تمشي من كثرة شرب الماء كمشي التي أثقلها كثرة ما في ضرعها. والحافل: التي اجتمع في ضرعها اللبن. ومشي: مصدر منصوب، أي: مشياً كمشي الحفل، وهو جمع حافل، من حفل اللبن في الضرع: إذا اجتمع. والرواي: جمع رواية، من روى البعير الماء: حمله، فهو راويةٌ، الهاء فيه للمبالغة، ثم أطلقت الرواية على كل دابة يستقى الماء عليها. والمزاد: جمع مزادة، وهي الراوية التي تعمل من جلود. وقوله: تثير أيديها.. الخ ، الضمير إلى كوم الذرى. والقسطل ، بالقاف، الغبار والعجاج: ما ارتفع منه. وعصبت بالعين والصاد المهملتين، قال في الصحاح: وعصبت الإبل بالماء: إذا دارت به. قال الفراء: عصبت الإبل وعصبت بالكسر: إذا اجتمعت . والعطن، بفتحتين: مبرك الإبل عند الماء لتشرب عللاً بعد نهل، فإذا استوفت ردت إلى المرعى. والمغربل: المنخول، أي: أن تراب العطن كأنه منخول، لكثرة ما انسحق منه، لشدة الحركة. وقوله: تدافع الشيب ، مصدر تشبيهي، وعامله محذوف، وهو معطوف على عصبت، أي: اجتمعت وتدافعت تدافعاً كتدافع الشيوخ، والشيب بالكسر جمع أشيب، وهو الشيخ. وقوله: ولم تقتل أصله تقتتل ، فأسكن التاء الأولى للإدغام، وحرك القاف لالتقاء الساكنين بالكسر، فصار تقتل ثم اتبع أول الحرف ثانية فصارت تقتل بثلاث كسرات. واللجة ، بفتح اللام وتشديد الجيم: اختلاط الأصوات في الحرب، في الصحاح: وسمعت لجة الناس بالفتح، أي: أصواتهم وضجتهم . وأنشد هذا البيت. وفي متعلقة بتدافع. وقوله: أمسك فلاناً. الخ هو على إضمار القول، أي: في لجة يقال فيها: أمسك.. الخ. قال اللخمي في شرح أبيات الجمل ، تبعاً لابن السيد: شبه تزاحمها ومدافعة بعضها بعضاً بقومٍ شيوخ في لجة وشر، يدفع بعضهم بعضاً، فيقال: أمسك فلاناً عن فلان أي: احجز بينهم. وخص الشيوخ لأن الشباب فيهم التسرع إلى القتال. فلذلك قال: تدافع الشيب.. الخ. أي: هي في تزاحم ولا تقاتل، كالشيوخ. وقد غفل عن هذا المعنى الأعلم الشنتمري في شرح أبيات س فقال: إن معناه خذ هذا بدم هذا وأسر هذا بهذا هذا كلامه! وكأنه لم ينظر إلى ما قبله من الأبيان. وأعجب منه قول ابن السيد، فيما كتبه على هذا الكتاب، في شرح بيت الشاهد: إن معناه: قد كثر أصوات الرعاة يقول بعضهم لبعض: أمسك البعير الفلاني عن البعير الفلاني لئلا يضره. هذا كلامه! مع أنه سطر ما قبله من الأبيات وشرحها من شرح اللباب للفالي. وقوله: تفلى له الريح.. الخ ، الفلي: مصدر فليت رأسه من باب رمى. إذا نقيته من القمل؛ وافتلى هو: إذا نقاه؛ ويفتل: مجزوم بلما محذوف الياء من آخره يريد: أن الريح تهب على رأسه فتفرق شعره كأنها تفليه وهو لم يفتل شعره لشعثه وقلة تعهده نفسه. واللمة ، بكسر اللام: الشعر الذي يلم بالمنكب، أي: يقرب منه؛ وهو مفعول تفلي على التنازع. والقفر ، بفتح القاف وسكون الفاء وأصله بالكسر: وصفٌ من قفر زيدٌ، من باب فرح: إذا قل لحمه. وشعاع السنبل بفتح الشين المعجمة: سفاه؛ وقد أشع الزرع: أخرج شعاعه؛ وأسفى الزرع: إذا خشن أطراف سنبله. والسنبل هنا سنبل الحنطة والشعير ونحوهما شبه شعره المنتفش بشوك سنبل الزرع. وقوله: يأتي لها.. الخ ، فاعل يأتي ضمير الراعي؛ وضمير لها، لكوم الذرى؛ قال صاحب الصحاح: أي: يعرض لها من ناحية اليمين وناحية الشمال. وذهب إلى معنى أيمن الإبل وأشملها فجمع لذلك . وأورده سيبويه على أن الشاعر لما جر أيمناً وأشملاً بمن، أخرجهما عن الظرفية. وزعم الأعلم الشنتمري أن هذا البيت في وصف ظليم ونعامة، قال: يعني: كلما أسرعت إلى أدحيها وهو مبيضها عرض لها يميناً وشمالاً مزعجاً لها وهذا كما ترى لا أصل له. وقوله: وبدلت والدهر ذو تبدل.. الخ، نائب الفاعل ضمير الريح؛ والهيف بفتح الهاء مثل الهوف بضمها: ريح حارة تأتي من اليمن، وهي النكباء التي تجري بين الجنوب والدبور من تحت مجرى سهيل. والصبا: ريح؛ ومهبها المستوي أي تهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار. والدبور: الريح التي تقابل الصبا. والشمال بسكون الميم وفتح الهمزة بعدها: الريح التي تقابل الجنوب. فكان الواجب أن يقابل الشمال بالجنوب. لكنه لضرورة النظم أقام الهيف مقام الجنوب لقربها من الجنوب. وفيه لف ونشر غير مرتب؛ أي: بدلت الريح فجاءت الدبور بدل الصبا وجاءت الهيف، أي: الجنوب بدل الشمال. ففيه دخول الباء على المتروك، وهو المشهور وسمع خلافه أيضاً. وأورده ابن هشام في المغني على أن جملة: والدهر ذو تبدل، معترضة بين الفعل ومفعوله، للتأكيد والتسديد. وقوله: بين سماطي شفق مرعبل ، السماط بالكسر: الصف والجانب، والسماطان من الناس والنخل: الجانبان، يقال: مشى بين السماطين وأنشد القصيدة بين السماطين. والمرعبل: المقطع. وروي بدله مهول . وصغواء بالغين المعجمة، من صغت النجوم، إذا مالت للغروب. وقوله: قد كادت ، أي: قاربت الشمس أن تغيب ولم تغب بالفعل. روى صاحب الأغاني: أن أبا النجم لما بلغ ذكر الشمس فقال: وهي على الأفق كعين.. وأراد أن يقول: الأحول، فذكر حول هشام فلم يتم البيت وأرتج عليه. فقال هشام: أجز. فقال: كعين الأحول. فأمر هشام بإخراجه من الرصافة ويقال: لها رصافة هشام، وهي مدينة في غربي الرقة، بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام، وكان يسكنها في الصيف، وكانت قبل من بناء الملوك الغسانيين ثم قال لصاحب شرطته: إياك وأن أرى هذا! فكلم وجوه الناس صاحب الشرطة أن يقره. ففعل. فكان يصيب من فضول أطعمة الناس ويأوي بالليل إلى المساجد.. قال أبو النجم: ولم يكن في الرصافة أحدٌ يضيف إلا سليم بن كيسان الكلبي، وعمرو بن بسطام الثعلبي فكنت أتغدى عند سليم، وأتعشى عند عمرو، وآتي المسجد فأبيت فيه. فأغتم هشامٌ ليلةً، وأراد محدثاً يحدثه، فقال لخادمٍ له: أبغني محدثاً أعرابياً أهوج شاعراً يروي الشعر. فخرج الحاجب إلى المسجد فإذا هو بأبي النجم، فضربه برجله وقال له: قم أجب أمير المؤمنين. فقال: أنا أعرابي غريب. قال: إياك أبغي فها تروي الشعر؟ قال: نعم، وأقوله. فأقبل به حتى أدخله القصر وأغلق الباب - فأيقن بالشر - ثم مضى فأدخله على هشام في بيت صغير، بينه وبين أهله ستر رقيق، والشمع بين يديه يزهر. قال: فلما دخلت قال لي: أبو النجم؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين، طريدك. قال: اجلس. فسألني وقال: أين كنت تأوي؟ فأخبرته الخبر. قال: ومالك من الولد والمال؟ قلت: أما المال فلا مال لي، وأما الولد فلي ثلاث بنات وبني يقال له: شيان بفتح الشين وتشديد الياء المثناة التحتية قال: هل أخرجت من بناتك؟ قلت: نعم، زوجت اثنتين وبقيت واحدة تجمز في أبياتنا كأنها نعامة! قال: وما وصيت به الأولى؟ - وكانت تسمى برة - قال: أوصيت من برة قلباً حر *** بالكلب خيراً والحماة شرا لا تسأمي ضرباً لها، وجر *** حتى ترى حلو الحياة مرا وإن كستك ذهباً ودر *** والحي عميهم بشر طرا فضحك هشام وقال: فما قلت في الأخرى؟ قال: قلت: سبي الحماة وابهتي عليه *** وإن دنت فازلفي إليها وأوجعي بالفهر ركبتيه *** ومرفقيها، واضربي جنبيها وقعدي كفيك في صدغيه *** لا تخبري الدهر بذاك ابنيها فضحك هشام حتى بدت نواجذه، وسقط على قفاه، وقال: ويحك! ما هذه وصية يعقوب لولده! قال: ولا أنا كيعقوب يا أمير المؤمنين! قال: فما قلت في الثالثة؟ قال: قلت: أوصيك يا بنتي فإني ذاهب *** أوصيك أن يحمدك الأقارب والجار والضيف الكريم الساغب *** ويرجع المسكين وهو خائب ولا تني أظفارك السلاهب *** لهن في وجه الحماة كاتب والزوج، إن الزوج بئس الصاحب قال: فأي شيء قلت في تأخير تزويجها؟ قال: قلت: كأن ظلامة أخت شيان *** يتيمةٌ ووالدها حيان الجيد منها عطلٌ والآذان *** وليس للرجلين إلا خيطان وقصةٌ قد شيطتها النيران *** تلك التي يضحك منها الشيطان فضحك هشام وضحكت النساء لضحكه؛ وقال للخصي: كم بقي من نفقتك؟ قال: ثلثمائة دينار. قال: أعطه إياها يجعلها في رجلي ظلامة مكان الخيطين. وتقدمت ترجمة أبي النجم في الشاهد السابع في أوائل الكتاب. وأنشد بعده: وهو الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة أطوف ما أطوف ثم آوي *** إلى بيت قعيدته لكاع على أن لكاع مما يختص بالنداء، وقد استعمل في غير النداء ضرورة. قال المبرد في الكامل: يقال في النداء للئيم يا لكع، وللأنثى يا لكاع؛ لأنه موضع معرفة. فإن لم ترد أن تعدله عن جهته قلت للرجل: يا ألكع، وللأنثى يا لكعاء. وهذا موضع لا تقع في النكرة. وقد جاء في الحديث: لا تقوم الساعة حتى يلي أمور الناس لكع بن لكع . فهذا كناية عن اللئيم ابن اللئيم. وهذا بمنزلة عمر ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة. ولكاع مبني على الكسر. وقد اضطر الحطيئة فذكر لكاع في غير النداء، فقال يهجو امرأته: أطوف ما أطوف. ثم آوي.. البيت وقعيدة البيت: ربة البيت وصاحبته. وإنما قيل: قعيدة، لقعودها وملازمتها. قال المدائني في كتاب النساء الفوارك إن امرأة الحطيئة نشزت عليه وسألته الفرقة، فقال: أجول ما أجول ثم آوي.. البيت قال المرزوقي في شرح فصيح ثعلب: هذا البناء يراد به المبالغة. ومعنى لكاع: المتناهية في اللؤم. والفعل منه لكعت لكعاً ولكاعا، وهي لكعاء وملكعانة. والأصل في اللكع: الوسخ. وما مع ما بعدها في تأويل المصدر الذي يراد به الزمان؛ والتقدير: أطوف مدة تطويفي. وأورد ابن عقيل في شرح الألفية هذا البيت شاهداً على وصل المصدرية بالمضارع المثبت؛ وهو قليل؛ والكثير وصلها بالمضارع المنفي والماضي. ومعنى البيت: أطوف نهاري كله في طلب الرزق؛ فإذا أويت عند الليل فإنما آوي إلى بيتٍ قيمته القاعدة فيه لئيمة. والمصراع الأول مأخوذ من قول قيس بن زهير بن جذيمة: وأطوف ما أطوف ثم آوي *** إلى جارٍ كجار أبي دواد وأبو دواد هو أبو دواد الإيادي الشاعر المشهور. وجاره: كعب بن مامة الإيادي الجواد المشهور. وقيل بل هو الحارث بن همام بن مرة، وكان أسر أبا دوادٍ وناساً من قومه، فأطلقهم وأكرم أبا دواد وأجاره - فمدحه أبو دواد - وأعطاه وحلف أن لا يذهب له شيء إلا أخلفه له. ويقال: إن ولد أبي دواد لعب مع صبيان في غدير فغمسوه فمات؛ فقال الحارث: لا يبقى صبيٌ في الحي إلا غرق، فودى ابنه بديات كثيرة. وآوي: مضارع آوى إلى منزله من باب ضرب أوياً: إذا أقام به وانضم ولجأ إليه. ومعنى أطوف: أكثر الطواف أي: الدوران. ومثله أجول، وزناً ومعنى. وهذا بيت مفردٌ هجا به امرأته كما ذكرنا. والحطيئة اسمه: جرول بن أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك ابن غالب بن قطيعة بالتصغير بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكنيته أبو مليكة بالتصغير . واختلف في تلقيبه بالحطيئة بضم الحاء وفتح الطاء المهملتين وسكون المثناة التحتية وبعدها همزة فقيل: لقب بذلك لقصره وقربه من الأرض؛ في الصحاح: والحطيئة: الرجل القصير؛ قال ثعلب: وسمي الحطيئة لدمامته . وقيل: لأنه ضرط بين قوم، فقيل له: هذا؟! فقال حطيئة؛ يقال حطأ: إذا ضرط. وقيل: لأنه كان محطوء الرجل؛ والرجل المحطوءة: التي لا أخمص لها. وهو أحد فحول الشعراء، متصرف في فنون الشعر: من المديح والهجاء، والفخر، والنسيب. وكان سفيهاً شريراً. ينتسب إلى القبائل، وكان إذا غضب على قبيلة انتمى إلى أخرى. قال ابن الكلبي: كان الحطيئة مغموز النسب، وكان من أولاد الزنى الذين شرفوا. وكان أوس بن مالك العبسي تزوج بنت رباح بن عوف الشيباني، وكانت لها أمة يقال لها: الصراء، فأعقلها أوس. وكان لبنت رباح أخٌ يقال له: الأفقم؛ فلما ولدت الصراء جاءت به شبيهاً بالأفقم. فقالت مولاتها: من أين لك هذا الصبي؟ قالت: من أخيك - وهابت أن تقول: من زوجك - ثم مات الأفقم وترك ابنين من حرة وتزوج الصراء رجلٌ من عبس؛ فولدت له ابنين، فكانا أخوي الحطيئة من أمه. وأعتقت بنت رباح الحطيئة وربته فكان كأنه أحدهم، ثم اعترفت أمه بأنه من أوس. وترك الأفقم نخيلاً باليمامة؛ فأتى الحطيئة أخويه من أوس فقال لهم: أفردوا لي من مالكم قطعة. فقالا: لا، ولكن أقم معنا نواسك. فهجاهما. وسأل أمه: من أبوه؟ فخلطت عليه، فغضب عليها وهجاها، ولحق بإخوته. من بني الأفقم ونزل عليهم في القرية وقال يمدحهم: إن القرية خير ساكنه *** أهل القرية من بني ذهل الضامنون لمال جارهم *** حتى يتم نواهض البقل قومٌ إذا انتسبوا ففرعهم *** فرعي وأثبت أصلهم أصلي وسألهم ميراثه من الأفقم، فأعطوه نخيلات، فلم تقنعه. فسألهم ميراثه كاملاً فلم يعطوه شيئاً. فغضب عليهم وهجاهم ثم عاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك. قال ابن قتيبة: وكان الحطيئة راوية زهير. وكان جاهلياً إسلامياً. ولا أراه أسلم إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأني لم أجد له ذكراً فيمن وفد عليه من وفود العرب؛ غير أني وجدته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه يقول: أطعنا رسول الله إذ كان حاضر *** فيا لهفتي ما بال دين أبي بكر أيورثها بكراً إذا مات بعده *** فتلك وبيت الله قاصمة الظهر وقال ابن حجر في الإصابة: كان أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ثم أسر، وعاد إلى الإسلام. وروى ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: كان الحطيئة جشعاً سؤولاً ملحفاً دنيء النفس كثير الشر بخيلاً، قبيح المنظر رث الهيئة، مغموز النسب فاسد الدين؛ وما تشاء أن تقول في شعر شاعر عيباً إلا وجدته، وقلما تجد ذلك في شعره. وقال أبو عبيدة: التمس الحطيئة ذات يوم إنساناً يهجوه، فلم يجده، وضاق ذلك عليه، فجعل يقول: أبت شفتاي اليوم إلا تكلم *** بسوءٍ فما ادري لمن أنا قائله وجعل يهدر بذا البيت في أشداقه، ولا يرى إنساناً، إذ اطلع في حوض فرأى وجهه فقال: أرى لي وجهاً شوه الله وجهه *** فقبح من وجهٍ وقبح حامله وكان الكلب بن كنيس تزوج الصراء أم الحطيئة، فهجاه وهجا أمه فقال: ولقد رأيتك في النساء فسؤتني *** وأبا بنيك فساءني في المجلس في أبيات. وقال يهجو أمه: جزاك الله شراٍ من عجوزٍ *** ولقاك العقوق من البنين فقد ملكت أمر بنيك حتى *** تركتهم أدق من الطحين لسانك مبردٌ لا عيب فيه *** ودرك در جاذبةٍ دهين وقال يهجوها أيضاً: تنحي فاجلسي مني بعيد *** أراح الله منك العالمينا أغربالاً إذا استودعت سر *** وكانوناً على المتحدثينا حياتك ما علمت حياة سوءٍ *** وموتك قد يسر الصالحينا وقال في هجاء أبيه وعمه وخاله: لحاك الله ثم لحاك حق *** أباً، ولحاك من عم وخال فنعم الشيخ أنت لدى المخازي *** وبئس الشيخ أنت لدى المعالي جمعت اللؤم؛ لا حياك ربي *** وأبواب السفاهة والضلال قال ابن قتيبة: ودخل الحطيئة على عتيبة بن النهاس العجلي، فسأله فقال: ما أنا في عمل فأعطيك من غدده وما في مالي فضلٌ عن قومي. فلما خرج، قال له رجل من قومه: أتعرفه؟ قال: لا قال: هذا الحطيئة! فأمر برده؛ فلما رجع قال: إنك لم تسلم تسليم الإسلام، ولا استأنست استئناس الجار، ولا رحبت ترحيب ابن العم. قال: هو ذلك. قال: اجلس، فلك عندنا ما تحب. فجلس فقال له: من أشعر الناس؟ قال الذي يقول: ومن يجعل المعروف من دون عرضه *** يفره ومن لايتق الشتم يشتم قال: ثم من؟ قال: أنا؟ فقال عتيبة لغلامه: اذهب به إلى السوق، فلا يشيرن إلى شيء إلا اشتريته له. فانطلق به الغلام، فجعل يعرض عليه الحبرة واليمنة وبياض مصر، وهو يشير إلى الكرابيس والأكسية الغلاظ. فاشترى له بمائتي درهم، وأوقر راحلته براً وتمراً؛ فقال له الغلام: هل من حاجةٍ غير هذا؟ قال: لا، حسبي؟ قال: إنه قد أمرني أن لا أجعل لك علة فيما تريد. قال: لا حاجة بي أن يكون لهذا يدٌ على قومي أكثر من هذه.. ثم ذهب فقال: سئلت فلم تبخل ولم تعط طائل *** فسيان لا ذمٌ عليك ولا حمد وأنت امرؤٌ لا الجود منك سجيةٌ *** فنعطي وقد يعدي على النائل الوجد وأتى الحطيئة كعب بن زهير، فقال له: قد علمت روايتي لكم وانقطاعي إليكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعراً تبدأ فيه بنفسك، ثم تثني بي، فإن الناس لأشعاركم أروى. فقال كعب: فمن للقوافي شانها من يحوكه *** إذا ما ثوى كعبٌ وفوز جرول نقول ولا نعيا بشيء نقوله *** ومن قائليها من يسيء ويعمل ننقفها حتى تلين متونه *** فيقصر عنها كل ما يتمثل وفي الأغاني عن جماعة: أن الحطيئة لما حضرته الوفاة، اجتمع إليه قومه فقالوا: أوص، يا أبا مليكة. قال: ويلٌ للشعر من راوية السوء! قالوا: أوص يرحمك الله! قال: من الذي يقول: إذا نبض الرامون عنها ترنمت *** ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز قالوا: الشماخ. قال: أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب؟ قالوا: ويحك، أهذه وصية؟! أوص بما ينفعك! قال: أبلغوا أهل ضابئ أنه شاعر، حيث يقول: لكل جديدٍ لذةٌ غير أنني *** وجدت جديد الموت غير لذيذ! قالوا: أوص، ويحك، بغير ذا. قال: أبلغوا أهل امرئ القيس أنه أشعر العرب، حيث يقول: فيا لك من ليلٍ كأن نجومه *** بكل مغار الفتل شدت بيذبل! قالوا: اتق الله، ودع عنك هذا! قال: أبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب، حيث يقول: يغشون حتى ما تهر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبل قالوا: إن هذا لا يغني عنك شيئاً، فقل غير ما أنت فيه. فقال: الشعر صعبٌ وطويلٌ سلمه *** إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه *** يريد أن يعربه فيعجمه قالوا: هذا مثل الذي أنت فيه. فقال: قد كنت أحياناً شديد المعتمد *** وكنت ذا غربٍ على خصمٍ ألد فوردت نفسي وما كادت ترد قالوا: يا أبا مليكة، ألك حاجة؟ قال: لا، والله، ولكن أجزع على المديح الجيد يمدح به من ليس له أهلاً. قالوا: فمن أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه، وقال: هذا اللسان إذا طمع في خير. واستعبر باكياً. قالوا له: قل: لا إله إلا الله. فقال: قالت وفيها حيدةٌ وذعر *** عوذٌ بربي منكم وحجر فقيل له: ما تقول في عبيدك؟ فقال: هم عبيد قنٌ ما عاقب الليل النهار. قالوا: فأوص للفقراء بشيء. قال: أوصيهم بالإلحاح في المسألة، فإنها تجارةٌ لن تبور، واست المسؤول أضيق! قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى من ولدي مثلا حظ الذكر. قالوا: ليس هكذا قضى الله. قال: لكني هكذا قضيت. قالوا: فما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم، ونيكوا أمهاتهم. قالوا: فهل شيءٌ تعهد فيه غير هذا؟ قال: نعم، تحملوني على أتان، وتتركوني راكبها حتى أموت؛ فإن الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركبٌ لم يمت عليه كريمٌ قط. فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها، حتى مات. وفي الإصابة لابن حجر: أنه عاش إلى زمن معاوية رضي الله عنه. أنشد فيه، وهو الشاهد الخمسون بعد المائة بنا، تميماً، يكشف الضباب على أن المنصوب على الاختصاص ربما كان علماً. أقول: تميم، هو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر. وهذا ليس مراد الشاعر؛ وإنما مراده القبيلة. والضباب: جمع ضبابة، وهو ندى كالغبار يغشى الأرض بالغدوات؛ وأضب يومنا بالهمزة: إذا صار ذا ضباب. فضرب الضباب مثلاً لغمة الأمر وشدته، أي: بنا تكشف الشدائد في الحروب وغيرها. وأنشده س على أن تميماً منصوب بإضمار فعل، على معنى الاختصاص والفخر. وبنا متعلق بقوله: يكشف . وقدم للحصر. وهذا البيت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس من أوائل الكتاب. وأنشد بعده: وهو الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة إنا بني ضبة، لا نفر على أن بني ضبة منصوب على الاختصاص، تقديره: أخص بني ضبة الجملة معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو جملة لا نفر، جيء بها لبيان الافتخار. وضبة هو ابن أد بن طابخة بن الياس بن مضر وأبناء ضبة ثلاثة: سعد، وسعيد بالتصغير ، وباسل وهو أبو الديلم. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: خرج باسل بن ضبة مغاضباً لأبيه، فوقع بأرض الديلم، فتزوج امرأة من العجم، فولدت له ديلماً. فهو أبو الديلم. وأنشد بعده: وهو الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة لنا يومٌ وللكروان يومٌ *** تطير البائسات ولا نطير على أن البائسات منصوب على الترحم. وهذا البيت لقصيدة لطرفة بن العبد، هجا بها عمرو بن المنذر امرئ القيس، وأخاه قابوس بن المنذر - وأمهما بنت الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - وهذه أبيات ثمانية منها: فليت لنا مكان الملك عمرٍو *** رغوثا حول قبتنا تخور من الزمرات أسبل قادماها، *** وضرتها مركنةٌ درور يشاركنا لنا رخلان فيه *** وتعلوها الكباش وما تنور لعمرك، إن قابوس بن هندٍ *** ليخلط ملكه نوك كثير قسمت الدهر في زمنٍ رخي *** كذاك الحكم يقصد ويجور لنا يومٌ وللكروان يومٌ ***.................. البيت فأما يومهن فيوم سوءٍ *** تطاردهن بالحدب الصقور وأما يومنا فنظل ركب *** وقوفاً ما نحل ولا نسير وكان السبب في هذه القصيدة - على ما حكى المفضل بن سلمة في كتابه الفاخر - أن عمرو بن المنذر، كان يرشح أخاه قابوس بن المنذر ليملك بعده: فقدم عليه المتلمس وطرفة، فجعلهما في صحابة قابوس، وأمرهما بلزومه.. وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو، وكان يركب يوماً في الصيد فيركض يتصيد وهما معه يركضان، حتى يرجعا عشية وقد تعبا، فيكون قابوس من الغد في الشراب، فيقفان بباب سرادقة إلى العشي. فكان قابوس يوماً على الشراب؛ فوقفا ببابه النهار كله ولم يصلا إليه؛ فضجر طرفة فقال هذه القصيدة. وقال يعقوب بن السكيت، والأعلم الشنتمري في شرحهما لديوان طرفة: إن عمرو بن هند المذكور، كان شريراً؛ وكان له يوم بؤس ويوم نعمة؛ فيومٌ يركب في صيده يقتل أول من يلقى، ويومٌ يقف الناس ببابه، فإن اشتهى حديث رجل أذن له، فكان هذا دهره كله. فهجاه طرفة وذكر ذلك بقوله: فليت لنا مكان.. الخ، الملك، بفتح الميم وسكون اللام وأصلها الكسر: وصفٌ من ملك على الناس أمرهم: إذا تولى السلطنة. ولنا: خبر ليت مقدم، ورغوثاً: اسمها مؤخر؛ ومكان الملك: ظرف، وكان في الأصل صفة لرغوث فلما قدم صار حالاً. والرغوث، بفتح الراء وضم الغين المعجمة وآخره ثاء مثلثة: النعجة المرضع؛ يقال: رغث الغلام أمه: إذا رضعها. وتخور: تصوت؛ وأصل الخوار للبقر. فجعله طرفة للنعجة. وقوله: من الزمرات.. الخ، بفتح الزاي المعجمة وكسر الميم أي: القليلات الصوف؛ وخصها لأنها أغزر ألباناً؛ يقال: رجل زمر المروءة: إذا كان قليلها. والقادمان: الخلفان؛ وأصل القادمين للناقة، لأن لها أربعة أخلاف: قادمين، وآخرين؛ فاستعار القادمين للشاة. وأسبل: طال وكمل والضرة، بفتح الضاد المعجمة. لحم الضرع. والمركنة: التي لها أركان، أي: جوانب وأصل؛ وقيل: هي المجتمعة. والدرور، بفتح الدال: الكثيرة الدر. وقوله: يشاركنا.. الخ، الرخل، بفتح الراء وكسر الخاء المعجمة: الأنثى من أولاد الضأن. ولنا: حال من رخلان؛ وكان قبل التقديم صفة، أي: يشاركنا في لبنها رخلان لنا. وتنور، بالنون: تنفر؛ والنوار: النفور. يصف غزارة درها وكثرة أولادها، وأنها قد ألفت الذكور فما تنفر منها. وقوله: نوك كثير، النوك بالنون: الحماقة، وكثير: يروى بالمثلثة وبالموحدة. وكان قابوس يحمق ويزن في نفسه. وقوله: قسمت الدهر.. الخ، هو بالخطاب، على طريقة الالتفات: إما من قابوس على قول المفضل بن سلمة، وإما من عمرو على القول الآخر، يخاطبه ويذكر ما كان من يوم صيده ويوم وقوف الناس ببابه. وقد بينه في الأبيات التي بعده. والرخي: السهل اللين. وكذاك الحكم، جملة اسمية على حذف مضاف، أي: ذو الحكم. أرسلها مثلاً. وقوله: يقصد.. الخ، بيان لجهة التشبيه. ويقصد: من قصد في الأمر قصداً، من باب ضرب: إذا توسط وطلب الأسد ولم يجاوز الحد. وقوله: لنا يوم.. الخ، مبتدأ وخبر وروي في أكثر الروايات: لنا يوماً وللكروان يوماً بنصب يوماً في الموضعين على أنه بدل كل من الدهر. والكروان بكسر الكاف وسكون الراء، قال الأعلم: هو جمع كروان، وهو طائر، ونظيره شقذان وشقذان، وورشان وورشان، وحمار فلتان والجمع فلتان. وقد يكون كروان جمع كراً مثل فتىً وفتيان وخرب وخربان انتهى. ولم يذكر في أمثاله أبو فيد مؤرج بن عمرو السدوسي إلا الوجه الثاني كما تقدم في الشاهد الرابع والأربعين بعد المائة؛ قال: قالوا: كراً وكروان مثل فتىً وفتيان. وأنشد هذا البيت. وزعم ابن السيد فيما كتبه على هذا الكتاب: أن الكروان هنا مفرد بفتح الكاف والراء، وأن التأنيث باعتبار قصد الأفراد من الجنس. انتهى. والبائسات منصوب على الترحم كما يقال: مررت به المسكين. وفاعل تطير، ضمير الكروان. وروي بالرفع أيضاً، قال ابن السكيت: وهو الأكثر وقال الأعلم: والرفع على القطع، وقد يكون على البدل من المضمر في تطير. وهو جمع بائسة، من البؤس بالضم وسكون الهمزة، وهو الضر؛ يقال: بئس، بالكسر: إذا نزل به الضر، فهو بائس. وقوله: لا نطير، بنون المتكلم مع الغير. وقوله: فأما يومهن.. الخ السوء بفتح السين؛ قال الأزهري في تهذيبه: وتقول في النكرة: هذا رجل سوءٍ، وإذا عرفت قلت: هذا الرجل السوء، ولم تضف. وتقول: هذا عمل سوءٍ، ولا تقل عمل السوء، لأن السوء يكون نعتاً للرجل، ولا يكون السوء نعتاً للعمل، لأن الفعل من الرجال؛ وليس الفعل من السوء. كما تقول: قول صدقٍ وقول الصدق ورجل صدقٍ، ولا تقول رجل الصدق لأن الرجل ليس من الصدق انتهى. وروي بدله نحسٍ وهو بمعناه. والحدب بفتح المهملتين: ما ارتفع من الأرض وغلظ. يقول: يوم الكروان يوم نحسٍ، لمطاردة الصقور لهن. وقوله: ما نحل ولا نسير، أي: نحن قيام على بابه، ننتظر الإذن فلا هو يأذن فنحل عنده، ولا هو يأمرنا بالرجوع فنسير عنه. ونحل مضارع حل يحل حلولاً؛ من باب قعد: إذا نزل. وطرفة ، هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. الشاعر المشهور. وطرفة بالتحريك، في الأصل: واحد الطرفاء وهو الأثل، قال في القاموس: الطرفة محركة: واحدة الطرفاء، وبها لقب طرفة بن العبد، واسمه عمرو، ولقب ببيت قاله. وهو أشعر الشعراء بعد امرئ القيس. ومرتبته ثاني مرتبة؛ ولهذا ثني بمعلقته. وقال الشعر صغيراً. قال ابن قتيبة: هو أجود الشعراء قصيدةً. وله بعد المعلقة شعرٌ حسن. وليس عند الرواة من شعره وشعر عبيدٍ إلا القليل. وقتل وهو ابن ست وعشرين سنة. وكان السبب في قتله: أنه وفد مع خاله المتلمس على عمرو بن هند، فأكرمهما وبقيا عنده مدة قال المفضل بن سلمة: وكان لطرفة ابن عم عند عمرو بن هند واسمه عبد عمرٍو بن بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة - وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو - وكان سميناً بادناً، فدخل على عمرو بن هند الحمام، فلما تجرد قال له عمرو بن هند: لقد كان بن عمك طرفة رآك حين ما قال - وكان طرفة هجا عبد عمرو، فقال فيه من جملة أبيات: ولا خير فيه، غير أن له غنى *** وأن له كشحاً، إذا قام، أهضما فلما أنشد الأبيات لعبد عمرو قال له عبد عمرو: ما قال لك شرٌ مما قال لي؛ ثم أنشده: فليت لنا مكان الملك عمرو.. الأبيات المتقدمة فصدقه عمرو بن هند وقال له: ما أصدقك عليه - مخافة أن تدركه الرحم وينذره - فمكث غير كثير، ثم دعا المتلمس وطرفة، وقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما، وسركما أن تنصرفا! قالا: نعم! فكتب لهما إلى عامله على هجر أن يقتلهما. وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباء، وأعطى كل واحد منهما شيئاً فخرجا - وكان المتلمس قد أسن - فمرا بنهر الحيرة على غلمان يلعبون؛ فقال المتلمس: هل لك أن ننظر في كتابينا، فإن كان فيهما خيرٌ مضينا له، وإن كان شراً ألقيناهما؟ فأبى عليه طرفة. فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان؛ فقرأه عليه، فإذا فيه السوء. فألقى كتابه في الماء، وقال لطرفة: أطعني والق كتابك! فأبى طرفة ومضى بكتابه إلى العامل، فقتله. ومضى المتلمس حتى لحق بملوك بني جفنة بالشام. وروى يعقوب بن السكيت في شرح ديوانه القصة بأبسط من هذا، قال: إن طرفة لما هجا عمرو بن هند بالأبيات المتقدمة، لم يسمعها عمرو بن هند. حتى خرج يوماً إلى الصيد فأمعن في الطلب، فانقطع في نفر من أصحابه؛ حتى أصاب طريدته فنزل، وقال لأصحابه: اجمعوا حطباً - وفيهم ابن عم طرفة - فقال لهم: أوقدوا. فأوقدوا ناراً وشوى. فبينما عمرو يأكل من شوائه وعبد عمرو يقدم إليه، إذ نظر إلى خصر قميصه منخرقاً، فأبصر كشحه، وكان من أحسن أهل زمانه جسماً - وقد كان بينه وبين طرفة أمرٌ وقع بينهما منه شر، فهجاه طرفة بأبيات - فقال له عمرو بن هند - وكان سمع تلك الأبيات - يا عبد عمرو، لقد أبصر طرفة حسن كشحك، ثم تمثل فقال: ولا خير فيه غير أن له غنى *** وأن له كشحاً، إذا قام، أهضما فغضب عبد عمرو مما قاله وأنف، فقال: لقد قال للملك أقبح من هذا! قال عمرو: وما الذي قال؟ فندم عبد عمرو، وأبى أن يسمعه. فقال: أسمعنيه، وطرفة آمن. فأسمعه القصيدة التي هجاه بها وشرحنا منها ثمانية أبيات تقدمت فسكت عمرو بن هند على ما وقر في نفسه، وكره أن يعجل عليه، لمكان قومه؛ فأضرب عنه - وبلغ ذلك طرفة - وطلب غرته والاستمكان منه؛ حتى أمن طرفة ولم يخفه على نفسه، فظن أنه قد رضي عنه. وقد كان المتلمس - وهو جرير بن عبد المسيح - هجا عمرو بن هند. وكان قد غضب عليه؛ فقدم المتلمس وطرفة على عمرو بن هند، يتعرضان لفضله. فكتب لهما إلى عامله على البحرين وهجر. وكان عامله فيهما فيما يزعمون ربيعة بن الحارث العبدي، وهو الذي كتب إليه في شأن طرفة والمتلمس - وقال لهما: انطلقا إليه فاقبضا جوائزكما. فخرجا. فزعموا أنهما لما هبطا النجف قال المتلمس: يا طرفة، إنك غلامٌ غر حديث السن، والملك من قد عرفت حقده وغدره، وكلانا قد هجاه؛ فلست آمناً أن يكون قد أمر فينا بشر؛ فهلم ننظر في كتابينا، فإن يكن أمر لنا بخيرٍ مضينا فيه، وإن يكن قد أمر فينا بغير ذلك لم نهلك أنفسنا! فأبى طرفة أن يفك خاتم الملك، وحرص المتلمس على طرفة فأبى. وعدل المتلمس إلى غلام من غلمان الحيرة عبادي فأعطاه الصحيفة، فقرأها، فلم يصل إلى ما أمر به في المتلمس حتى جاء غلام بعده فأشرف في الصحيفة لا يدري لمن هي فقرأها فقال: ثكلت المتلمس أمه! فانتزع المتلمس الصحيفة من يد الغلام، واكتفى بذلك من قوله، واتبع طرفة فلم يدركه، وألقى الصحيفة في نهر الحيرة، ثم خرج هارباً. وقد كان المتلمس فيما يقال قال لطرفة حين قرأ كتابه: تعلم، أن في صحيفتك لمثل الذي في صحيفتي! فقال طرفة: إن كان اجترأ عليك فما كان ليجترأ علي، ولا ليغرني، ولا ليقدم علي! فلما غلبه سار المتلمس إلى الشام، وسار طرفة حتى قدم على عامل البحرين وهو بهجر. فدفع إليه كتاب عمرو بن هند، فقرأه فقال: هل تعلم ما أمرت به فيك؟ قال: نعم، أمرت أن تجزيني وتحسن إلي. فقال لطرفة: إن بيني وبينك لخؤولةً أنا لها راعٍ، فاهرب من ليلتك هذه، فإني قد أمرت بقتلك؛ فاخرج قبل أن تصبح ويعلم بك الناس! فقال له طرفة: اشتدت عليك جائرتي وأحببت أن أهرب وأجعل لعمرو بن هند علي سبيلاً، كأني أذنبت ذنباً؟! والله لا أفعل ذلك أبداً! فلما أصبح أمر بحبسه. وجاءت بكر بن وائل فقالت: قدم طرفة! فدعا به صاحب البحرين، فقرأ عليهم كتاب الملك، ثم أمر بطرفة وحبس، وتكرم عن قتله، وكتب إلى عمرو بن هند: أن ابعث إلى عملك، فإني غير قاتل الرجل. فبعث إليه رجلاً من بني تغلب، يقال له عبد هند بن جرذ، واستعمله على البحرين وكان رجلاً شجاعاً؛ وأمره بقتل طرفة وقتل ربيعة بن الحارث العبدي فقدمهما عبد هند، فقرأ عهده على أهل البحرين، ولبث أياماً. واجتمعت بكر بن وائل فهمت به، وكان طرفة يحضضهم. وانتدب له رجل من عبد القيس ثم من الحواثر يقال له: أبو ريشة فقتله. فقبره اليوم معروف بهجر. وزعموا أن الحواثر ودته إلى أبيه وقومه. وقالت أخت طرفة تهجو عبد عمرو، لما كان من إنشاده الشعر للملك: ألا ثكلتك أمك عبد عمرٍو *** أبالخربات آخيت الملوكا هم دحوك للوركين دح *** ولو سألوا لأعطيت البروكا ورثت طرفة أخته بقولها: عددنا له ستاً وعشرين حجةً *** فلما توفاها استوى سيداً ضخما فجعنا به لما رجونا إيابه *** على خير حالٍ: لا وليداً ولا قحما ومثله في كتاب الشعراء لابن قتيبة قال: وكان طرفة في حسبٍ من قومه جريئاً على هجائهم وهجاء غيرهم. وكانت أخته عند عبد عمرو بن بشر ابن مرثد؛ وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه، فشكت أخت طرفة شيئاً من أمر زوجها إليه، فقال: ولا عيب فيه غير أن له غنى ***................ البيت وإن نساء الحي يعكفن حوله *** يقلن عسيب من سرارة ملهما وأهضم: منقبض. وسرارة بالفتح: خيار. وملهم، بالفتح: موضع كثير النخل فخرج عمرو بن هند يتصيد، ومعه عبد عمرو، فأصاب حماراً فعقره، فقال لعبد عمرو: انزل إليه! فنزل غليه فأعياه، فضحك عمرو بن هند وقال: لقد أبصرك طرفة حين قال: ولا عيب فيه غير أن له غنى ***................. البيت وقال في آخرها: ويقال: إن الذي قتله المعلى بن حنش العبدي والذي تولى قتله بيده معاوية بن مرة الأيفلي حيٌ من طسم وجديس. ثم قال: وكان أبو طرفة مات، وطرفة صغير، فأبى أعمامه أن يقسموا ماله، فقال: ما تنظرون بمال وردة فيكم *** صغر البنون ورهط وردة غيب قد يبعث الأمر العظيم صغيره *** حتى تظل له الدماء تصبب والظلم فرق بين حيي وائلٍ *** بكرٌ تساقيها المنايا تغلب والصدق يألفه الكريم المرتجى *** والكذب يألفه الدنيء الأخيب ويقال: إن أول شعر قاله طرفة، أنه خرج مع عمه في سفر، فنصب فخاً فلما أراد الرحيل قال: يالك من قبرةٍ بمعمر *** خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري إن شئت أن تنقري *** قد رفع الفخ، فماذا تحذري لا بد يوماً أن تصادي فاصبري وعمرو بن هند المذكور هو من ملوك الحيرة. كان عاتياً جباراً، ويسمى محرقاً أيضاً، لأنه حرق بني تميم، وقيل: بل حرق نخل اليمامة. والنعمان بن المنذر صاحب النابغة ابن أخي عمرو بن هند. وسيأتي إن شاء الله تعالى، نسبة عمرو بن المنذر في نسبة أخيه النعمان بن المنذر في الشاهد الثالث بعد هذا. تتمة ذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من اسمه طرفة من الشعراء أربعة، أولهم هذا. والثاني طرفة بن ألاءة بن نضلة بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم. والثالث طرفة الجذمي أحد بني جذيمة العبسي. والرابع طرفة أخو بني عامر بن ربيعة. وأنشد بعده: وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة وهو من شواهد سيبويه: ويأوي إلى نسوةٍ عطلٍ *** وشعثاً مراضيع مثل السعالي على أن قوله: شعثاً منصوب على الترحم كالذي قبله. قال سيبويه: وشعثاً منصوب بإضمار فعل. قال الأعلم: لأنه لما قال: نسوةٍ عطل، علم أنهن شعثٌ. فكأنه قال: وأذكرهن شعثاً. إلا أنه فعل لا يظهر، لأن ما قبله دل عليه فأغنى عن ذكره . وقال ابن خلف: الشاهد أنه نصب شعثاً، كأنه حيث قال: إلى نسوة عطل، صرن عنده ممن علم أنهن شعث ولكنه ذكر ذلك تشنيعاً لهن وتشويهاً. قال الخليل: كأنه قال: أذكرهن شعثاً؛ إلا أن هذا فعلٌ لا يستعمل إظهاره، لأن ما قبله قد دل عليه فأغنى عن ذكره، على ما يجري الباب عليه في المدح والذم. وأنشده سيبويه في موضع آخر أيضاً قبل هذا يجر شعثٍ عطفاً على عطل. وقال: وإن شئت جررت على الصفة. وزعم يونس أن ذلك أكثر، كقولك مررت بزيد أخيك وصاحبك . ثم قال: ولو قال: فشعث، بالفاء لقبح . قال النحاس: ومعنى قوله: لقبح: لا يجوز. لأن عطلاً وشعثاً صفتان ثابتتان معاً في الموصوف، فعطفت إحداهما على الأخرى بالواو، لأن معناها الاجتماع؛ ولو عطفت بالفاء لم يجز لأنه لم يرد أن الشعث حصل لهن بعد العطل. وأورد هذا البيت صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {وأولوا العلم قائماً بالقسط} على أن المنتصب على المدح كما يجيء معرفة يجيء نكرة، كما في شعثاً فإنه منصوب على الترحم. وأورده أيضاً ابن الناظم وابن هشام في شرح الألفية ، على أن قوله: شعثاً، منصوب بفعل مضمر على الاختصاص، ليبين أن هذا الضرب من النساء أسوأ حالاً من الضرب الأول الذي هو العطل منهن. ومثل هذا يسمى نصباً على الترحم. قال ابن الحاجب في أماليه: لا يجوز أن يكون شعثاً منصوباً مفعولاً معه، لأن شرطه التشريك مع المرفوع في نسبة الفعل. وقد توهم من لا عبرة به جواز: سرت والجبل؛ وهو غير جائز، إذ الجبل لا يسير؛ ولو سلم جوازه فلا بد من تأويله، وهو أن يجعل كأن كل جزءٍ من الجبل سائر، لأنه إذا سار من موضع من نواحي الجبل فذاك مفارقٌ له. والبيت مطلق الروي، فهو بكسر اللام من السعالي، كما أنشده سيبويه. قال النحاس: هكذا أخذناه عن أبي إسحاق، وأبي الحسن، وهو الصواب. وأنشد هذا البيت العروضيون، منهم الأخفش سعيد: مثل السعال بإسكان اللام. ولا يجوز إلا ذلك على ما رووه؛ لأنهم جعلوه من المتقارب من الضرب الثاني من العروض الأولى. وقوله: ويأوي.. الخ فاعل يأوي، ضمير الصياد: أي: تأتي مأواه ومنزله إلى نسوة. وعطل: جمع عاطل، قال في الصحاح: والعطل بالتحريك: مصدر عطلت المرأة: إذا خلا جيدها من القلائد، فهي عطل بالضم وعاطل ومعطال. وقد يستعمل العطل في الخلو من الشيء، وإن كان أصله في الحلي، يقال: عطل الرجل من المال والأدب فهو عطل، بضمة وبضمتين . وهذا هو المراد هنا؛ لأن المعنى: أن هذا الصياد يغيب عن نسائه للصيد، ثم يأتي إليهن فيجدهن في أسوأ الحال. والشعث: جمع شعثاء، من شعث الشعر شعثاً فهو شعث، من باب تعب: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن؛ ورجل أشعث وامرأة شعثاء. والمراضيع: جمع مرضاع، بالكسر وهي التي ترضع كثيراً. والسعالي: بفتح السين، قال أبو علي القالي، في كتاب المقصور والممدود السعلي، بالكسر وبالقصر: ذكر الغيلان، والأنثى سعلاة: وقال الأصمعي: يقال: السعلاة: ساحرة الجن. حدثنا أبو بكر بن دريد قال: ذكر أبو عبيدة، وأحسب الأصمعي قد ذكره أيضاً، قال: لقيت السعلاة حسان بن ثابت في بعض طرقات المدينة - وهو غلام، قبل أن يقول الشعر - فبركت على صدره، وقالت: أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم؟! قال: نعم؟ قالت: فأنشدني ثلاثة أبيات على روي واحد، وإلا قتلتك؟ فقال: إذا ما ترعرع فينا الغلام *** فما إن يقال له: من هوه إذا لم يسد قبل شد الإزار *** فذلك فينا الذي لا هوه ولي صاحبٌ من بني الشيصبان *** فحيناً أقول وحيناً هوه فخلت سبيله. والشيصبان ، بفتح الشين المعجمة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعدها صاد مهملة مفتوحة وبعدها باء موحدة، قال ابن دريد في الجمهرة: هو ابن جني من الجن.. وأنشد هذا البيت. وروى أبو سعيد السكري هذا البيت في أشعار هذيل كذا: له نسوةٌ عاطلات الصدو *** رعوجٌ مراضيع مثل السعالي وقال: عوج: مهازيل مثل الغيلان في سوء الحال؛ هو جمع عوجاء. قال في الصحاح: والعوجاء: الضامرة من الإبل . وعلى هذه الرواية فلا شاهد في البيت. وهذا البيت لأمية بن أبي عائد الهذلي من قصيدة طويلة عدتها ستة وسبعون بيتاً، على رواية أبي سعيد السكري في أشعار الهذليين وهذا مطلعها: إلا يا لقومٍ لطيف الخيال *** يؤرق من نازحٍ ذي دلال الطيف هنا مصدر طاف الخيال يطيف طيفاً. ويؤرق: يسهد. وقوله: من نازح ، أي: من حبيب بعيد. وهذا من أبيات سيبويه؛ أورده شاهداً على فتح اللام الأولى وكسر الثانية فرقاً بين المستغاث به والمستغاث من أجله. قال سيبويه معناه: من لطيف الخيال من نازحٍ ذي دلالٍ يؤرقني. وذكر النازح لأنه أراد الشخص. والدلال: الدلالة بحسنٍ ومحبةٍ ونحوها. أجاز إلينا على بعده: *** مهاوي خرقٍ مهابٍ مهال أجاز الخيال: أي: قطع إلينا على بعده. مهاوي: مواضع يهوى ويسقط فيها وهو مفعول اجاز. والخرق ، بالفتح: الفلاة الواسعة تنخرق فيها الرياح. ومهاب ؛ بالفتح: موضع هيبة. ومهال: موضع هول. صحارٍ تغول جنانه *** وأحداب طودٍ رفيع الحبال صحارٍ: جمع صحراء. وتغول: تتلون كالغول. والجنان بالكسر: جمع جان وهو أبو الجن. وأحداب ؛ منصوب بالعطف على مهاوي، وهو جمع حدب بالتحريك، وهو ما ارتفع من الأرض. خيالٌ لجعدة قد هاج لي *** نكاساً من الحب بعد اندمال أي: ذلك الخيال خيال جعدة. يقال: عرض لي نكس ونكاس بضمهما. واندمل: أفاق بعض الإفاقة. تسدى مع النوم تمثاله *** دنو الضباب بطل زلال أي: غشينا خيالها كما تغشى الضباب الأرض. الأصمعي: الضباب: الغيم. والطل: الندى. والزلال: الصافي. فباتت تسائلنا في المنام *** وأحبب إلي بذاك السؤال تثني التحية بعد السلام *** ثم تفدي بعم وخال فقد هاجني ذكر أم الصبي *** من بعد سقمٍ طويل المطال أي: المطاولة. ومر المنون بأمرٍ يغو *** ل من رزء نفسٍ ومن نقص مال مر بالجر عطف على قوله من بعد سقم. إلى الله أشكو الذي قد أرى *** من النائبات بعافٍ وعال أي: تأخذ بالعفو والسهولة وتقهر فتعلو وتعظم؛ يقال عاله الأمر: إذا تفاقم به، شكا إلى الله ما أصابه من دهره. وإظلال هذا الزمان الذي *** يقلب بالناس حالاً لحال معطوف على الذي، وهو مصدر أطل على الشيء بمعنى أشرف عليه. وجهد بلاءٍ إذا ما أتى *** تطاول أيامه والليالي عطف على الذي أيضاً. فسل الهموم بعيرانةٍ *** مواشكة الرجع بعد النقال أي: سريعٌ رجع يديها. والمناقلة: ضرب من السير. ثم أخذ في وصف ناقته.. إلى أن شبهها بحمار الوحش، ووصفه بشيء كثير إلى أن ذكر أنه أورد أتنه الماء.. فقال: فلما وردن صدرن النقيل *** كأوب مرامي غويٌ مغالي النقيل: المناقلة في السير؛ وأصله إذا وقع في حجارةٍ ناقل، وهو أن ينقل قوائمه يضعها بين كل حجرين. والمغالي: المرامي الذي يغالي في الرمي غيره، ينظران أيهما أبعد سهماً. يقول: آبت كأوب السهام. وأوبها إذا نزع النازع في القوس، فإذا أرسل السهم فقد آب من حيث نزع. فأسلكها مرصداً حافظ *** به ابن الدجى لاصقاً كالطحال أي: فأسلكها الفحل، وهو حمار الوحش، مرصداً ، أي: مكاناً يرصد به الرامي الوحش. وقوله: به ، أي: بالمرصد. وابن الدجى: الصياد؛ وهو جمع دجية، وهي بيت الصائد، تكون حفيرةً يستتر فيها لئلا يراه الوحش. وقوله: لاصقاً.. الخ ، يقول: قد لصق الصياد بأرض حفيرته ليخفى عن الصيد كما لصق الطحال بالجنب. مقيتاً معيداً لأكل القنيص *** ذا فاقةٍ ملحماً للعيال المقيت: المقتدر، من أقات على الشيء بمعنى اقتدر عليه. والمعيد: الذي قد اعتاد صيد القنيص. والملحم: اسم فاعل من ألحم إذا أطعم اللحم. ويأوي إلى نسوةٍ عطل *** البيت فاعله ضمير ابن الدجى وهو الصياد. تراح يداه بمحشورةٍ *** خواظي القداح عجاف النصال في الصحاح: راحت يده بكذا: خفت له . والمحشورة: نبل قد ألطف قذذها، وهو أسرع لها وأبعد. وخواظي القداح: جمع خاظية، أي: متينة مكتنزة. والقداح: جمع قدح بالكسر، وهو عود السهم. وعجاف النصال: أي: قد أرهفت حتى دقت. ثم وصف قوسه ونباله وصدق رميه.. إلى أن قال: فعما قليلٍ سقاها مع *** بمزعف ذيفان قشبٍ ثمال المزعف: الموت السريع. والذيفان: السم. والقشب ، بالكسر: أن يخلط بشيء ليقتل. وثمال ، بالضم: منقع. شبه السهام به. سوى العلج أخطأه رائغ *** بثجراء ذات غرارٍ مسالٍ يقول: سقاها بمزعف سوى العلج، أخطأه فلم يصبه. والعلج ، بالكسر: الحمار الغليظ. وثجراء: صقيلة عريضة. وغراره: حدها. ومسال: ممطول؛ ومنه خد أسيل وأسال. فجال عليهن في نفره *** ليفتنهن لزول الزوال جال عليهن: أقبل واعتمد عليهن في نفره حتى نفر. ليفتنهن: أي: ليشتق بهن، أي: ليزول بهن عن الرامي. فلما رآهن بالجلهتين *** يكبون في مطحرات الإلال الجلهة: ما استقبلت من الوادي. يكبون في مطحرات، يعني سهاماً. والمطحر: الملزق. والإلال بالكسر: جمع ألة، بالفتح والتشديد، وهي الحربة. رمى بالجراميز عرض الوجين *** وارمد في الجري بعد انفتال رمى: أي: الحمار؛ يقال: رمى بالجراميز أي: بنفسه. والوجين: ما اعترض لك من غلظ. وارمد: أسرع في العدو بعد أن كان انفتل انفتالةً فجال. ثم وصف الحمار بشدة عدوه حينما نفر من الصياد ورأى أتنه مصرعة.. إلى أن قال: أشبه راحلتي ما ترى *** جواداً، ليسمع فيها مقالي وأنجو بها عن ديار الهو *** ن غير انتحال الذليل الموالي به: أي: براحلتي. والموالي: الذي يقول أنا مولاك. يقول: ليس كما ينتحل الذليل الموالي. أي: لا أقول ذلك ولا أفعله أي: انتحالاً. وأطلب الحب بعد السلو *** حتى يقال: امرؤٌ غير سال اشتهى أن يعاود الحب والهوى، بعدما رأى الناس أنه قد أقلع. أسلي الهموم بأمثاله *** وأطوي البلاد وأقضي الكوالي
|